*لعل هذا المصطلح(العقد النفسية)من أكثر الكلمات التي يتداولها الناس وعادة ما يطلقونها دون علم بمعناها الحقيقي،وقد يصف الواحد منا شخصا اخر بأن لديه عقدة..أو نصف من نختلف معه أنه معقد دون أن نعلم الأصل العلمي لما نقول..وأصل الحكاية حين نبحث عنه لابد من العودة الي قواعد علم النفس الحديث التي وضعها الطبيب النمساوى المعروف سيجموند فرويد(1856ـ1936)حين وضع تصورا للنفس الانسانية بأنها تتكون من العقل الواعي الذى يتعامل مع حقائق الحياة ويخضع لسيطرتنا وإرادتنا،والعقل الباطن الذى يحتوى علي أشياء كثيرة لا نعلم عنها شيئاً في الأصول المعتادة منها الرغبات المكبوتة والانفعالات الداخلية وقوى تتصارع مع بعضها البعض بداخلنا،فالعقدة النفسية هي إذن مجموعة من المشاعر والانفعالات الداخلية تعبر عن احتياجات وغرائز متشابكة قد تنشأ من المبالغة في طلب بعض الرغبات بصورة قد تؤدى الي الانحراف .
وليست العقد النفسية-من هذا المنظور النفسي-سوى خبرات ومشاعر تحمل انفعالات نفسية تم اختزانها في عقلنا الباطن في مراحل عمرنا السابقة،ربما من أيام الطفولة نتيجة لتعرضنا للضغوط والحرمان والمواقف الصعبة،ورغم أن هذه المشكلات قد أنتهي عهدها منذ زمن طويل إلا أنها تبقي في داخلنا،ويمكن أن تشكل طباعنا وسلوكنا ويظهر تأثيرها حين تتعرض لمواقف مشابهة في حياتنا..
والحقيقة أن كل منا لديه من من العقد النفسية كم معين قد يتحكم في ميوله واتجاهاته في الأحوال المعتادة ، وقد يؤثر في مزاجه وحالته النفسية في حالة الصحة النفسية أو حين يصاب بالاضطراب النفسي .
وليست العقد النفسية نوعا واحدا ، ولا تحدث فقط في المرضي وغير الأسوياء لكنها تكاد تكون عامة الحدوث في كل منا بدرجات متفاوتة ، والإنسان عموما هو الوحيد بين الكائنات الذى يعاني من عقد نفسية لأن المخلوقات الأخرى تتحرك بالفطرة وتكون الحاجات الانسانية الغريزية مثل تأمين الوجود عقدة الخوف من الموت وعقدة التملك والعقد الجنسية والعاطفية .. وتدفع هذه العقد الناس الي سلوكيات معينة يشترك فيها كثير من الناس ، فالخوف من الموت يدفع الانسان الي اللجوء الي الاطباء اذا اصابه المرض ، وربما كان السبب في الاهتمام بمهنة الطب لأن المرض يرتبط في الأذهان - من خلال عقد نفسية داخلة - بأنه يهدد الحياة ويمكن ان يفضي الي الموت ، وعقدة التملك قد تدفع بعض الناس الي البخل والاتجاه الي جمع الأموال خوفا من المستقبل ، او الرغبة في السلطة والنفوذ لتحقيق السيادة وامتلاك السيطرة علي الاخرين .
وهناك أنواع اخرى من العقد النفسية أكثر عمقا وصفها فرويد حين يحاول تفسير كل الأمراض النفسية بالعقد الجنسية التي تبدأ مقدماتها في مراحل الطفولة المبكرة ، مثل عقدة " أوديب " التي يرتبط فيها الطفل مرضياً بالأم في الطفولة ، وعقدة " إلكترا " التي يكون فيها ارتباط غير طبيعي بين البنت والأب في مرحلة الطفولة ، كما ان هناك عقدة النقص التي تصيب بعض الأشخاص نتيجة لشعور مبالغ فيه بالضعف يؤدى الي خوف داخلي من الآخرين قد يدفع الي سلوك غير سوى يطفو علي السطح مثل التعالي علي الآخرين ومحاولة اظهار التفوق عليهم !!
وثمة كلمة أخيرة - عزيزى القارئ - قبل أن نختتم هذا الكلام عن العقد النفسية .. كل منا لديه قدر من العقد بداخله قد تكون الدافع وراء ما نقوم به من أفعال .. ماذا لو حاول كل منا التفكير قليلاً في العقد والدوافع الداخلية لدينا دون حساسية ، فليس عيباً أن يعترف أى منا بأن لديه عقدة معينة لم يكن له يد في وجودها ، لكن التفكير الهادئ المحايد قد يساعدنا علي التخلص من عيوبنا حين نتعرف الي دوافعنا الداخلية ، وما يستقر في نفسك من عقد يتحكم في حياتك وعلاقتك بالآخرين .. لتبدأ بالمواجهة للتخلص من عيوبك وسلبياتك ، وليكن سلاحك في ذلك إرادة قوية ، وتفكير واع متزن ، وايمان قوى بالله تعالي .. مع تمنياتي للجميع بصحة نفسية دائمة .
منقول